نساء سوريا لا حدود جغرافية تعيق
تعاونهن
*ميرنا الحسن
مما
لا شك فيه أن الجدليات القائمة على تبادل التهم بين السوريات/ين داخل سوريا
وخارجها من أكثر المسائل تعقيداً وصعوبة في إيجاد الحل، ولاسيما الجدلية القائلة
بأن السوريات/ين خارج سوريا هم ممن باعوا وخانوا قضيتهم في الثورة، وأن السوريات/ين
داخلها هم وحدهم من دفعوا الثمن غاليًا ودافعوا لنيل الحرية المنشودة.
تعتبر
الكتب الأدبية إحدى الوسائل الفعالة لإيصال رسائل عدة ولاسيما الإنسانية، وهذا ما
فكرت به سنا العظم (20 عامًا) بعدما غادرت وعائلتها سوريا عام 2012 إلى الولايات
المتحدة، والعاملة الآن على إعداد كتاب كمشروع في جامعتها بعدما اختارت دراسة
الصحافة لتوثيق ما شاهدته وسمعته مع عائلتها قبل خروجهم من سوريا.
تقول سنا: "أعتقد أنه علينا كسوريات/ين أينما حللنا في العالم مواصلة التحدث عن قضيتنا وثورتنا وكتابة التاريخ بأيدينا، والحفاظ على توثيق قصص الثورة والتحدث ضد نظام الأسد، ولن يتم إخفاء الحقيقة ما دمنا نواجه من يحاول تغييرها، وبالنسبة لي اخترت الكتابة كسلاحي الأمثل ضد الظلم".
من
ناحية أخرى غيّب نظام الأسد غالبية السوريات/ين عن السياسة، بل وغيّب كثير من
السياسيات/ين في أقبية سجونه، ونفى بعضهن/م خارج سوريا على مدار نصف قرن؛ مما جعل
أكثر السوريات/ين في بداية الثورة لا يفقهون ما يجري من مرواغة سياسية كانت السبب
الأكبر في إيصالنا ليومنا هذا؛ بسبب قلة الخبرة بهذا المجال.
تضيف وجدان، لن أبالغ إن قلت إنني مع كل جولة ومجموعة من النساء اللواتي يشاركننا تجاربهن الشخصية والعامة، مع كل ساعة نجلس فيها معًا لنتحاور ونسمع بعضنا، يتجدد لدي الأمل بأن النساء السوريات قادرات على مد الجسور بينهن وعلى التواصل والتحاور والتشاور وحتى إيجاد الحلول، وعلى الضحك، والبوح بالألم والاستمرار في المقاومة، في كل جلسة أتعلم منهن الكثير، هو أجمل عمل شاركت به حتى اليوم في الشأن العام.
وكما
هو متعارف عليه في المجتمع العربي بأن الصحافة حكراً على الرجال، لكن النساء
السوريات تمكن من الإطاحة بهذه النظرية نوعًا ما، عندما انخرطن في العمل الإعلامي
واخترن الصحافة رغمًا عن أنها مهنة المتاعب، وبهذا الصدد سعت مرسيل شحوارو (ماجستير
كتابة ابداعية في جامعة كولومبيا/نيويورك والتي غادرت سوريا عام 2014) إلى خلق
مبادرة فردية من خلال إنشاء مجموعة على الواتساب تضم إعلاميات وناشطات في الداخل
السوري المحرر مع زميلتهن الصحفية خارجها، لتبادل المعلومات والخبرات وكيفية توجيه
الرسائل الإعلامية التي تؤثر على المجتمع الدولي.
ومن جهة أخرى وكمبادرة فردية أيضًا بين نساء سوريات فاعلات وناشطات لنقل معاناة المرأة السورية وايصال صوتها للرأي العام في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإنسانية المتردية، وفي اليوم العالمي للمرأة من العام الحالي اجتمعت عدد من النساء السوريات في مدينة إدلب مع عدد آخر خارج سوريا في جلسة مفتوحة عن طريق الانترنت.
أما من الجانب الإغاثي وتقديم
المساعدات المادية للحالات الإنسانية في الداخل السوري، عبر نساء يقطن خارج سوريا،
تواصلنا مع العديد ممن نعرفهن يدعمن السوريات/ين ماليًا، لمشاركتنا تجربتهن، إلا
أن غالبيتهن رفضن الإفصاح عما يقدمنه، فلا منية أو فضل منهن على النساء في الداخل، إنما هذا أقل واجب ودين على كل شخص مغترب يستطيع إعانة السوريات/ين المقيمات/ين في الداخل السوري، وفق قولهن.
في
نهاية المطاف، ومن وجهة نظري، لابد من الوقوف على أمر أهم من كل الجدليات القائمة،
ألا وهو النظر إلى الروابط المشتركة، بدلاً من النظر إلى الفروقات الآنية التي
أفرزتها الحرب السورية، فما يجمعنا كسوريات/ين من أهداف أكثر مما يفرقنا، والثورة
السورية مستمرة لا يحدها زمان أو مكان، بل هي كامنة في نفس كل سورية/سوري، حلمها/حلمه
الأول والأخير تحقيق النصر على نظام الأسد وروسيا وكل ظالم يهدر دمائنا، ونيل
الحرية وعودة وطننا الغريب إلينا رغم أننا مازلنا نسكن داخله، وعودة المغتربات/ين
واللاجئات/ين لهذا الوطن أيضًا، فالانتماء للأرض والتعاون لإعادتها إلى كل السوريات/ين
هو نصر آخر يشترك الجميع في تحقيقه أينما أوداه الشتات على وجه الكرة الأرضية.
*كل ما ذكر في المقال يعبر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي الحركة